علاقة جيدة مع الآباء .. كيف؟

الاستقلال مطلب حقيقي للشاب .. فكيف نساعده على ذلك؟
والحب أمل عميق للشاب .. فكيف نقدم له المعلومات التي تفيد قدرته على بناء حياة عاطفية سعيدة؟
نعم، الأبناء في عمر المراهقة أكثر تمرداً على أسلوب تفكير الآباء وحياتهم.
نعم، الآباء الذين لهم أبناء في عمر المراهقة يكثرون من الإلحاح على أبنائهم من أجل إنجاز أهداف معينة.
نعم، الأبناء في عمر المراهقة يحبون التصرف المرتجل مهما كانت نتائجه لأنه يحقق لهم الإحساس بالتحدي، بينما الآباء يصرخون في وجوه الأبناء مطالبين بضرورة النظر إلى الواقع واحترامه حتى يأتي المستقبل جميلاً.
ونعم أخيراً .. إن الآباء سرعان ما يذوبون في نهر الحياة، ويتحول الأبناء إلى آباء، ليأتيهم أبناء جدد يتمردون، ويلح الآباء الجدد على الأبناء الجدد، لكن الأبناء الجدد يسلكون درب التصرف المرتجل.
وهكذا تسير دورة الحياة.
ولأن الحياة لا تتوقف، يندهش الآباء من نقد الأبناء. إن الأب قد يثور وقد لا يتقبل انتقاد ابنه له. وقد يتفجر الأمر بين الاثنين فيخرج الابن من المنزل. وهذا ما يحدث بالفعل في أوروبا وأميركا، وهذا ما قد يتمناه بعض الأبناء في بلادنا ولكن الظروف الاجتماعية لا تسمح به.
والأبناء يرفعون الصوت بالشكوى من جمود الآباء عندما يرون أن الآباء لا يدرون بحركة العصر الحديث. والأبناء يتهمون الآباء بقائمة طويلة من الاتهامات. يقول الأبناء مثلاً إن الآباء متسلطون ويرغبون في التحكم في كل تفاصيل الحياة وإنهم فاقدو الثقة في قدرات الأبناء على التعامل مع كل أزمات الحياة بدءاً من أزمات الدراسة مروراً بأزمات الصداقة إلى أزمات العلاقة مع الجنس الآخر. كما يتهم الأبناء الآباء بأنهم كثيرو الإلحاح بدون داع على موضوعات معينة، وهم دائمو التهجم والعبوس وخصوصاً في أي أمر يخص العلاقة بين الأب والابن.
ودعوني أقل إن جزءاً من اتهامات الأبناء للآباء صحيح، هذا إذا ما درسنا الواقع جيداً.
فالواقع يقول إن الوالدين نادراً ما يمنحان التقدير الكافي لقدرات أبنائهما المراهقين.
ودعوني أقل إن الآباء ينسون في معظم الأحيان كيف كانوا يشعرون هم أنفسهم أيام الشباب، أذكر على سبيل المثال فزع أبي وأمي عندما أخبرتهما بأنني سوف أتزوج وإن مرتبي أنا ومرتب زوجتي معاً سيكفيان لسداد مصروفنا إذا اقتصدنا جيداً.
قال أبي: (ولماذا ترهق نفسك بالزواج في ظل ظروف اقتصادية صعبة)؟
ولم أقل لأبي أني أحتاج إلى التوازن النفسي الذي تحققه لي علاقتي العاطفية مع زوجتي وخصوصاً بعد أن مر عامان على آخر قصة حب لي، وهي قصة كلفتني الكثير من التوتر، وكانت مليئة بالمعارك. وكنت في تلك الفترة قد أنهيت دراستي وبدأت حياتي العملية فوراً ولم أجد ما يمنعني من الوصول إلى التوازن العاطفي.
وقالت أمي: (وهل ستفهم زوجتك كيفية التعامل معك وأنت في معظم الأحيان تشرد بعيداً عن المتحدث معك لأنك تفكر)؟
ولم أقل لأمي أن زوجتي تحترم صمتي، فصمتي نوع من الحوار الداخلي الذي لا تتدخل هي فيه. وبعد اثنين وعشرين عاماً من الزواج كان ابني البكر يعلن خلال السنوات الثلاث الأخيرة أخباره العاطفية فأقابلها بالصمت خوفاً من أن أكرر تجربة النصائح التي كانت قد زهدت فيها. لكني أصررت على أن أقول رأيي بصراحة في علاقته العاطفية الأولى، إذ كانت الفتاة تطيعه في جميع الأحوال، مما جعل حياته معها (عزفاً منفرداً) للقرارات. قلت له: (أنت تتصرف وهي ستحكم على التصرفات وهذا لون ضار من العلاقات). وأصدرت حكمي على العلاقة العاطفية الثانية حيث ترك كل قيادة حياته لفتاته فبدا منقاداً لها، وهنا تدخلت لأقول له: (إن التوازن مطلوب).
وعندما أعلن لي خبر نهاية علاقته العاطفية رجوته أن يختار وأن يدير حياته بنفسه لأنني أراه دائماً أجمل كائنات الأرض، لكن مسؤوليته نحو نفسه يجب أن يتولاها هو.
وها أنا ذا أرى علاقة عاطفية متوازنة تبدأ وهو يقودها بعيداً عن آرائي. وأعتقد أنه لو سألني أن يتزوج فسوف أقول له: (افعل ما تراه مناسباً). وأعترف أنني سأقولها وأنا مشتاق معرفة التفاصيل، لكني سأحاول أن أكتم شوقي حتى لا تأتيني التفاصيل فأرسل له النصائح والآراء التي أرى أنها تناسبني أنا ولا تناسبه هو، فهو في عمر الحلم والقدرة على تحقيقه، وأنا في عمر القدرة على الخوف المتجدد على ابني وعلى أحواله المادية. والمقياس مختلف بطبيعة الحال.
ولابد لي أن أعترف أن السبب الأول لعصبية الوالدين تجاه ما يفعله الأبناء المراهقون هو عدم تذكر الآباء والأمهات للمشاكل التي عانوا منها وكيف انتصروا عليها فهم يتذكرون فقط المشاكل التي عانوا منها وفشلوا فيها ويريدون تجنيب الأبناء مثل هذا الفشل.
والآباء، تحت ضغط وسائل الإعلام المعاصرة، صاروا يعرفون الكثير عن انحرافات الشباب، لذلك قد يضغطون بعنف على الأبناء بالمخاوف. وينسى الآباء أن الأبناء الذين ينشؤون في أسر متحابة لا يقعون في انحرافات العصر الحديث، وأن الأبناء هم في عمر التفاؤل بقوة العمر والآباء هم في عمر التشاؤم تحت ضغط العمر.
إن سلوك الأبناء مختلف بالتأكيد عن سلوك الآباء. فالشباب يحبون أن يفعلوا بعض الأفعال بارتجال لإظهار قدرتهم على التحدي وتحمل مسؤوليات هذا التحدي والآباء يخافون من غدر الزمن، لذلك تراهم يخططون لكل شيء لأنهم يخافون أن يباغتهم شيء صعب. إن حياة الآباء تسير أمام أعينهم كنهر هادئ ولا يريدون لحادث ما أن يعكر الصفو. ولذلك أتوجه للشباب بالقول: (إذ أردت شيئاً من الكبار فعليك بالتمهيد له، فإذا أردت أن تقترض سيارة الأسرة مثلاً، فلابد من المقدمات، وغالباً ما سوف تنجح. صحيح أن والدك سيقول لك إن كل مَن يعرفهم من الشباب يقود السيارة بسرعة تزيد عن المائة، ولكن الصحيح أيضاً أنه يسعد عندما تأخذ السيارة وتعود بها سليمة. أنك بذلك تنمي ثقته فيك بشكل كبير).
والآباء أيضاً ينزعجون عندما يقول لهم أحد الأبناء: (لن أدخل امتحان التجربة الذي ستجريه المدرسة أو الكلية في منتصف العام، لأنه امتحان لا تعطي عليه درجات ولن يؤثر على نتيجة آخر السنة).
إن الأب بذلك يرى أن الابن لم يقم بواجبه كاملاً لذلك يخاف من الامتحان. وعلى الابن ألا يتمسك بعدم بعث الاطمئنان في قلب والديه لأنه بذلك يوجه لهما الدعوة للتدخل في حياته بشكل مزعج له ولهما أيضاً.
وعلى الآباء أيضاً أن يتعاملوا برقة مع أسلوب اختيار الأبناء للزي أو قص الشعر بشكل معين أو سماع الموسيقى الحديثة. هذه الأمور لا ينبغي أن يتوقف عندها الآباء كثيراً لسبب بسيط هو أن الدافع الذي يحرك الأبناء للبحث عن التمييز في أسلوب قص الشعر أو استعمال ملابس معينة على أحدث موضة أو سماع موسيقى صاخبة هو الرغبة في الاستقلال، هذا التمايز وراءه رغبة الأبناء في أن يقولوا لنا نحن الكبار، لذلك نحن نؤسس مجتمعنا الصغير بموسيقاه وزيه المميز وموضات قص الشعر الجديدة (ولنا أن ندرك نحن الكبار أن الأبناء يسعدون عندما تثير مثل هذه الأمور انزعاجنا لأننا فنعرف لأبنائنا ـ ولسن لنا نحن ـ اليد العليا في تنسيق أسلوب حياتهم وذوقهم الفني والاجتماعي.
وفي بعض الأحيان يفتعل الأبناء التمرد والكبرياء تجاه وجهات نظر يعتقدون أنها صحيحة لكنهم يرفضونها لمجرد أنها صادرة من الكبار. إن الابن يتمرد هنا حتى لا يظهر أمام نفسه كخائن لأفكار جيله الذي ينتمي إليه.
ولكني أقول لمثل هذا الابن: (دع عنك هذا الإحساس واحتفظ بتمردك لما هو أكبر من التفاصيل. إن تستطيع أن تضيف لمجتمعك ولجيلك بأن تبحث في تحديات علوم العصر. وإذا جاءك رأي تراه صائباً من والدك فاشكره عليه. إنك بذلك تمتلك القدرة على أن تقول لأبيك أن رأيه في هذا الأمر يعجبك، لكن رأيه في الموضوع الآخر لا يعجبك وأنك غير مقتنع به). ودعني أقل لك إن تمردك سببه سنوات طويلة من الطفولة قضيتها تحت سيطرة والديك. ومن الطبيعي من بعد ذلك أن تظهر درجة من التمرد. ولكنك إذا نظرت إلى الواقع بعمق ستجد أنك تقضي على الأقل من ثماني ساعات إلى اثنتي عشرة ساعة كل يوم بعيداً عنهما وفي احتكاك مع عالم الكبار من مدرسين وأناس كبار آخرين،وهؤلاء الكبار الذين تتعامل معهم يحترمون آراءك إذا ما كانت صائبة. وأنت بتعاونك مع الكبار تتدرب على أن تكون ناضجاً بالفعل. صحيح أن الكبار الذين حولك يوجهون لك النصح أحياناً والنقد في أحيان أخرى، لكن الكبار يرضخون أخيراً لرأيك إذا كان صائباً. ووالدك ووالدتك سيفرحان بذلك، إنهما يفرحان بالتعامل مع الجزء الناضج منك أكثر مما تتخيل، لأن معنى ذلك أنك فارقت الطفولة ولم تعد كثير الشكاوى. لذلك لا يجب أن تفكر في والديك كسلطة يجب أن تتمرد عليها في كل صغيرة وكبيرة، ولكن اجعل التعاون جزءاً من خطتك للوصول إلى مسؤوليتك عن نفسك. وستفاجأ بأن أهلك هم أكثر الناس فرحاً بقدرتك على تحمل المسؤولية، وستجد أنهم يسلمون لك بالسلطات التي تطلبها لنفسك. هذه هي الفلسفة التي يتبعها رجال الإدارة الحديثة في اكتشاف المديرين الناجحين. إنهم يبحثون عن المدير الذي يكتشف أسلوبه الخاص في إتقان العمل وقدرته على التعاون مع الغير، ويحقق لعمله إعجاب الآخرين ويشارك الآخرين أيضاً في أعمالهم برأيه دون جرح مشاعرهم.
والمسؤولية الدراسية هي أحد المعايير الهامة لتقدير الآباء للأبناء، فإذا كان الابن قادراً على أن يؤدي مسؤولياته الدراسية دون إزعاج، فهذا أمر يعطيه أمام الكبار الفرصة الكاملة لإعلان أنه انسان مسؤول عن ذلك وإذا كان الأمر في دراستك عكس ذلك، فهذا يعني أنك توجه الدعوة إلى الكبار ليتدخلوا في شؤونك لأنك تفتقد التقييم السليم لنفسك.
وهناك مسألة يعتبرها بعض المراهقين دليل حريتهم: إنه أمر العودة إلى المنزل في ميعاد محدد.
إن احترام ميعاد العودة إلى المنزل أمر مقدس بالنسبة لك أولاً وأخيراً يا عزيزي المراهق، لأنه يوضح بما لا يقبل مجالاً للجدل أنك انسان مسؤول عما تقول. وهو طريق متميز لأن تكتسب ثقة مَن هم أكبر منك. قد تعتبر أنت انه من السخف أن يعتقد الكبار أن الانسان الحسن هو الذي يعود في الميعاد وأن الانسان السيئ هو الذي يتأخر عن الميعاد. ولكن ماذا إذا ما أخلف أحد الأصدقاء موعداً معك؟ إنك تغضب منه وتعتبره انساناً غير مسؤول، فلماذا تجرد الكبار من هذا الحق الذي تعطيه لنفسك؟ ثم إن إخبارك للكبار بميعاد يعطيهم الثقة في انك انسان مسؤول بشكل أو بآخر.
ولك أن تتذكر، يا عزيزي المراهق ان الوالدين يسعدان بحسن سلوك المراهق معهم والكل في هذه الحالة يعامل المراهق حسن السلوك بأدب. ويسعد الكبار أن يعاملهم المراهق برقة وحساسية ويفرحون بذلك فيعاملون المراهق بود أكثر.
وهناك خلاف جوهري ينشأ بين الكبار والمراهقين: إنه خلاف التصور للأمور. ولا أنسى فتاة كانت تشكو لي من أن والديها فقدا الثقة فيها تماماً ولم تعد تستطيع أن تتحدث على الهاتف مع مَن تريد من صديقاتها، ولم تعد تستطيع أن تخر إلى لقاء صديقاتها في النادي الاجتماعي وطبعاً كان حديث الفتاة يمتلئ بإظهار عدم قدرة الوالدين على استيعاب العصر الحديث.
وعندما التقيت بوالدي الفتاة بعيداً عنها ـ وكانت تنتظر في غرفة أخرى ـ شكا الوالدان من أن الابنة لم تعد تتحدث على الهاتف مع صديقاتها ولم تعد ترغب في الخروج من المنزل يوم الإجازة الأسبوعية، وهما في غاية القلق لانسحاب ابنتهما من الحياة الاجتماعية.
لقد وجدت التناقض بين أقوال الفتاة وأقوال الوالدين. وبطبيعة الحال لم أصب بالذهول لأن اختلاف نظرة الوالدين عن نظرة الفتاة إلى الوقائع هو الذي أوصل كلاً منهما إلى هذه النتيجة المتناقضة. وبتوضيح وجهات النظر بين كل من الطرفين، عرفت الفتاة أن والديها يرفضان استخدام الهاتف للدردشة الطويلة، وعرف الوالدان أن أسلوب نقدهما المستمر للصديقات يجرح إحساس الابنة.
والمراهق الشاب ـ وكذلك المراهقة الشابة ـ تعيش تحت ضغط الرغبة في إثبات أنه على دراية كاملة بكيفية التعامل الاجتماعي وأنه يسيطر على واقعه تماماً. إنه يعلن ذلك مع علمه بأنه يفقد بعضاً من المهارة في كثير من المجالات، وهو يحلم يومياً بأن يكون منتصراً وقادراً لذلك يكره تماماً أن يعلن أنه يعاني من افتقاد المهارة في مجال ما. ولذلك فهو يكثر من اتهام الآخرين بأنهم السبب في فشله في المجال الذي فشل فيه. وأول هؤلاء (الآخرين) الوالدان بطبيعة الحال.
في حالة الحزن التي تصيب المراهق في بعض الأحيان نراه يلقي باللوم على والدين فهما السبب المباشر ـ من وجهة نظره في رفضه للتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، مع أن السبب المباشر هو حنينه إلى أيام الطفولة التي يفتقدها، ولكنه لا يجرؤ على مواجهة نفسه بذلك لأنه يكره أن يسلك سلوك الصغار.
أحياناً يرغب المراهق في رفض دعوة ما لحضور حفلة أو للذهاب إلى رحلة ولذلك يجد العذر الفوري بأن يقول: (لقد رفض والداي ذهابي إلى الرحلة أو الحفلة). إن سيطرة الآباء عذر جاهز لدى الأبناء. ولو أن الابن أراد الحضور فعلاً ومنعه لملأ الدنيا بالمتذمر والضيق.
وهناك خوف آخر لدى المراهق: إنه الخوف من التحدي، فها هو ذا أحد الشباب يذهب إلى والده ليقول له: (إنني أطلب الإذن بالذهاب إلى البحر الأحمر لتعلم الغوص. إن المدرسة سوف تذهب إلى هناك، إلى نفس المكان الذي افترس فيه سمك القرش أحد الغواصين في العام الماضي).
وبطبيعة الحال فإن الأب سيرفض، والحقيقة أن المسؤول عن هذا الرفض هو الابن الذي اختار كلمات معينة تدفع الأب إلى الرفض. لقد ذكر الرحلة منسوبة إلى حادث افتراس سمكة قرش لغواص!!.
ويظل الحديث عن الأمور العاطفية والجنسية أمراً شائكاً بين الآباء والأبناء، والنظريات تقول ان من مسؤولية الأب أن يحدث الابن بمنتهى الصراحة والهدوء، وأن يختار ألفاظاً واضحة وصريحة في كلامه عن العلاقة، بين الرجل والمرأة، والمسؤولية الناتجة عن تلك العلاقة وعندما واجهت هذا الأمر مع ابني طلبت منه أن ينقل لي تفسير آيات سورة النساء التي تضم كل التفاصيل المتعلقة بالعلاقة بين الرجل والمرأة وأن يجمع هذا التفسير من أكثر من مرجع وهكذا أعملت الابن بكل أسرار المسؤوليات التي تقوم وتنتج عن علاقة الرجل بالمرأة. وفي الغرب يفترض العلماء أن يحدث الأب ابنه وأن تحدث الأم ابنتها ومعظم الآباء يجدون صعوبة في فتح مثل هذه الموضوعات مع الابن، لأن الحديث عن العلاقة بين الرجل والمرأة مليء بمحاذير اختيار الكلمات المناسبة كما أن الابن قد يشمئز في أغلب الأحوال من أن يتحدث إليه والده في مثل هذا الأمر، لأن الابن يعيش وفي عقله الباطن روح التنافس التي كانت بينه وبين والده على حب الأم في الطفولة، وهو يخاف أن يكشف لأبيه أي شيء متعلق بسلوكه الجنسي. كما أن المراهق يقاوم بشدة فكرة أن والده قد احتضن والدته وأنجباه. إن الآباء في نظر الأبناء مخلوقات لا علاقة لها بالجنس، وهذا بطبيعة الحال ليس من الحقيقة في شيء.
والأب الذكي هو الذي يتخذ من مائدة الغداء فرصة للحديث عن العلاقة بين الرجل والمرأة وكيف يجب أن تكون، يتناول ذلك من خلال القصص المنشورة في الصحف أو من خلال أخبار الجيران أو العائلة.
والأم أيضاً قد تجد صعوبة في التحدث في مثل هذه الأمور مع ابنتها، ولكن عندما تختار الأم الكلمات المناسبة وتعلم الفتاة كيفية الاهتمام بنظافتها، والحديث عن الدورة الشهرية، فهذا يعطي الأم الفرصة الكاملة لتناول كل الموضوعات بمنتهى الصراحة.
وعلينا أن نعرف أن آذان الأبناء والبنات تكون مفتوحة عن آخرها لتلقي التعليمات التي تنزلق أحياناً من أفواه الكبار عن العلاقة بين الرجل والمرأة.
وعلينا أن نعرف أن الأبناء يكتسبون في عصرنا الكثير من المعلومات من خلال الكتب العلمية المباشرة، بالإضافة إلى تبادل الأحاديث مع الأقران.
ويظل موضوع تنظيم الأسرة مجالاً خصباً لتعليم الأبناء والبنات كافة أسرار العلاقة بين الرجل والمرأة، وهو مجال للتربية الجنسية فسيح بلا أدنى شك.
ولكني أريد أن أقول ان أعظم ما يتعلم منه الأبناء هو السلوك العلمي بين الأب والأم، فإذا كانت العلاقة بين الأب والأم مليئة بالمحبة والتفاهم رغم ظهور بعض من المعارك في بعض الأحيان، فإن الأبناء يتشربون روح الأسرة بلا أدنى شك. إن الحديث عن الأخلاق والقيم أمر سهل، لكن الأبناء لا يتشربون القيم من الكلمات فقط، ولكن يتشربونها ويطبقونها في حياتهم إذا ما رأوا ذلك في أسرهم. وإذا كان العصر الحديث قد أكثر من المعلومات عن التشريح ووضع أمام الشاب والفتاة أكثر من فرصة للتعرف العلمي على الجسد، فإن الأسرة عليها ـ من خلال سلوك الأب والأم ـ أن تعلم الابن الكثير من القيم من خلال السلوك اليومي أن التعاون المتفاني الذي يمارسه الأب الحنون والأم الطيبة هو خير معلم للأبناء.
إن حديث الأب مع الابن بشكل مباشر عن العلاقة بين الرجل والمرأة قد يكون به بعض من الجمل المفقودة، لكن الابن يجمع هذه الجمل من مكان آخر.
وحديث الأم مع الابنة بشكل مباشر عن العلاقة بين الرجل والمرأة قد يكون فيه بعض من الجمل المفقودة لكن الابنة تجمع هذه الجمل من مكان آخر.
وباختصار، إن الأساس الذي يبني عليه الابن والابنة حياتهما هو السلوك اليومي بين الأب والأم.
إن الحياة المعاصرة تزدحم بالشكوى. فنحن في آخر القرن العشرين الممتلئ بذكريات الحروب والتنافس الشاق والفقر المدقع في بعض البلدان، وارتفاع نسبة البطالة بين شباب العالم تقريباً، وهوس امتلاك المخترعات الجديدة وتلوث البيئة واستغلال الانسان للانسان وكل ذلك يجعل الشباب في حالة من الشوق العارم إلى التعاون البشري من أجل نشر حالة من الصفاء النفسي.
إن الانسان كائن يحب الأشياء المادية وقد أنتح منها الكثير، وكائن يحب القيم المثالية وهو يعرفها، لكنه ما زال يصبو لتحقيق جزء بسيط منها. وأنا أؤمن أن كل انسان لديه موارد لا نهائية من الإبداع، والإخلاص، والحب، والكرم، والقدرة على الاستمتاع بالفنون والآداب، وهذا لا ينفي أن بداخل الانسان أيضاً الجشع، وطلب القوة والقسوة.
والشباب هو القادر على تهذيب الجشع وتحويله إلى طاقة للإبداع.
والشباب هو القادر على جعل القوة في خدمة العدالة.
والشباب هو القادر على تحويل القسوة إلى سلاح ضد هؤلاء الذين يبددون كرامة الانسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نتمنى أن يكون المقال مفيدا للجميع، و نرحب بتعليقاتكم